قفصة : مشاورات لتحويل الثروات الطبيعية إلى قاطرة للتنمية

Al-Khansa Brigade: The Feminine Lethal Weapon of ISIS

Gafsa: Consultations on Transforming Natural Resources into an Engine of Development

Dark Light

قفصة : مشاورات لتحويل الثروات الطبيعية إلى قاطرة للتنمية

 

“فقط تعودنا على سماع أن تونس تخسر المليارات عندما يتوقف الإنتاج أياما، ولكن لا نرى مليارا واحدا عندما يستمر الإنتاج سنوات دون انقطاع“. مواطن من الحوض المنجمي

الإطار العام:

مؤشرات تنمية ضعيفة وإنتاج في تراجع

تُعدّ قفصة أكبر منطقة منتجة للفسفاط في تونس، ويتركّز الإنتاج في الحوض المنجمي وتحديدا في أربعة مواقع وهي المضيلة والرديف وأم العرايس والمتلوي التي تنتج لوحدها 75% من الفسفاط. ارتبط الاقتصاد في الحوض المنجمي منذ عقود بإنتاج الفسفاط باعتباره أهم ثروة من ناحية قيمة المداخيل وعدد مواطن الشغل المباشرة في شركة فسفاط قفصة أو غير المباشرة في شركات البيئة والغراسة. لكنّ المداخيل المتأتية من تصدير الفسفاط تراجعت بشدة منذ 2011 لتبلغ 1014 مليون دينار سنة 2018 بعد أن كانت تناهز 1728 مليون دينار في 2010[1] وذلك نتيجة تراجع الإنتاج من 8،2 مليون طن سنة 2010 إلى 2،8 مليون طن سنة 2018[2] بنسبة تقدر بـ 66 % ليستقر الإنتاج في نفس مستوى إنتاج سنة 1928.

يمكن تفسير هذا التراجع المهم بعديد العوامل منها تقادم معدات الإنتاج والإشكالات التي يواجهها نقل الفسفاط عبر السكك الحديدية وكذلك ضعف حوكمة شركة فسفاط قفصة، لكن التحركات الاجتماعية المرتبطة بالفسفاط تبقى من أهم الأسباب وراء هذا التراجع خاصة منها التحركات التي عطلت عملية الإنتاج. فمن خلال تحليل موضوع هذه التحركات الاحتجاجية يتبين أنه مرتبط بالأساس بالتشغيل في شركة فسفاط قفصة. وبلغ عدد التحركات الاجتماعية حسب النشرية الصادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بولاية قفصة خلال السداسي الأول من سنة 2019، 421 تحركا اجتماعيا، وتحتل قفصة المرتبة الثالثة في عدد التحركات على المستوى الوطني[3] بعد القيروان وسيدي بوزيد. تركّز هذه الاحتجاجات في الغالب على غلق الطرقات والسكك الحديدية أمام نقل الفسفاط لمنع عبورها إلى مصانع المجمع الكيميائي بكلّ من قفصة وصفاقس وقابس بالإضافة إلى تحركات أخرى هدفها الأساسي تعطيل الإنتاج في المنطقة كوسيلة ناجعة لتبليغ صوت المحتجين. لكن العديد من الاحتجاجات ارتبطت أيضا بمطالب بيئية وصحية نظرا للتلوث الكبير الذي تعرفه المنطقة بسبب الاستهلاك المفرط للمياه في مغاسل الفسفاط مما أثر على صحة الأهالي في منطقة الحوض المنجمي وأدى إلى تراجع الإنتاج الفلاحي والانقطاع المتواصل لمياه الشرب.

هذه التحركات الاجتماعية المتواصلة تثبت أن هذه الثروة الطبيعية لم تساهم في خلق تنمية حقيقية في الحوض المنجمي. فنسبة البطالة بها بلغت 27% سنة 2017 لتصل إلى 58،2 % بالنسبة لأصحاب الشهائد العليا[4] وذلك مقارنة بـنسبة البطالة على المستوى الوطني تقدّر بـ 15 %. أما نسبة الفقر فتبلغ 18% سنة 2015 في ولاية قفصة مقارنة بـ 15،6% على المستوى الوطني[5]. أما مؤشر التنمية الجهوية لسنة 2018[6] فيشير إلى أن ولاية قفصة تحتل المرتبة 17 من جملة 24 ولاية والملفت في هذا المؤشر أن كل معتمديات الولاية موجودة في المجموعتين الأقل تنمية ضمن هذا المؤشر. كما احتلت ولاية قفصة المرتبة 14 في مؤشر جاذبية الاستثمار للجهات لسنة 2016[7].

لكن المشاكل الاجتماعية لا يمكن أن تفسّر لوحدها تراجع الإنتاج وأزمة التنمية في المنطقة، فحوكمة شركة فسفاط قفصة تطرح أيضا عديد التساؤلات، فهذه الشركة التي تمتلك الدولة غالبية رأسمالها هي من أضعف الشركات حوكمة على مستوى العالم بترتيب 55 من بين 74 شركة ناشطة في مجال الصناعات الاستخراجية تم تقييمها في مؤشر حوكمة الموارد الطبيعية لسنة 2017 وبمجموع نقاط يساوي 35 على 100 نقطة[8]. وأنفقت هذه الشركة خلال السنوات الماضية 60 مليون دينار في المنطقة بعنوان برنامج المسؤولية المجتمعية[9] لكن لم يحقق هذا البرنامج الأهداف المطلوبة رغم أهمية المبلغ المرصود.

كيف تعاملت الحكومة مع الاحتجاجات؟

كان تعامل الحكومة مع هذه الاحتجاجات مرتبطا بحجم الضغط المسلط عليها وخصوصا إذا ما تعلق بتعطيل الإنتاج. فالقرارات الرسمية التي يتم اتخاذها عادة ماتستجيب لطلبات المحتجين المطالبة بالتشغيل وذلك بانتدابهم في شركات البيئة والغراسات دون توفّر مايفيد وجود حاجة حقيقية لهذه الانتدابات. فهذه الشركات ليست شركات منتجة ذات مردودية اقتصادية تسمح بتنويع النسيج الاقتصادي بالمنطقة وتخفف الضغط على شركة فسفاط قفصة التي أصبح دورها الاجتماعي يطغى على دورها الاقتصادي المتمثل في إنتاج الفسفاط. حيث تطور عدد الأعوان بهذه الشركات من 4900 عون سنة 2010 إلى 13000 عونا سنة 2018 بأعباء مالية بلغت 73 مليون دينار سنة 2018 بعد أن كانت لا تتجاوز 13 مليون دينار سنة 2010.

لكن رغم هذه الانتدابات المهمة فإن التحركات الاجتماعية لم تتراجع بل ساهمت في مزيد تعميق الأزمة خصوصا مع ارتباطها دائما بتشكيك في نتائج المناظرات لوجود شبهات فساد تحوم حولها، كما أنها غالبا ما تكرّس توزيعا للانتدابات مبنيا على الانتماء العروشي ولا تأخذ بعين الاعتبار الكفاءة والجدارة.  أما السلطة اللامركزية المتمثلة أساسا في الولاية فإن دورها ومواردها محدودة وقدرتها على التدخل ضعيفة وهو ماحوّل شركة فسفاط قفصة إلى الملجأ الدائم إذا ما تعلق الأمر بالاستجابة إلى مطالب المحتجين مهما كان موضوعها، فهي تتدخل في الميدان الصحي والرياضي والبيئي والتربوي والثقافي والاجتماعي وغيرها من المجالات.

في ظل هذا الوضع تبدو المنطقة في حلقة مفرغة لا خروج منها. فمع تراجع الإنتاج وتواصل الاحتجاجات الاجتماعية والاعتماد على الحلول الظرفية الهشة وضعف المؤشرات التنموية لا يبدو أن منطقة الحوض المنجمي قادرة على الخروج من هذا الوضع بسهولة.  ويبقى التحدي الأهم هو إيجاد السبل للخروج من هذه الحلقة وتحقيق تنمية فعلية لا تقوم فقط على إنتاج الفسفاط، خاصة أن إمكانيات المنطقة الفلاحية والصناعية وحتى السياحية مهمة لكنها غير مثمنة بالطريقة الكافية.

 

مشروع مشاورات

يسعى مشروع “مشاورات” إلى معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية العاجلة في ولايتي قفصة وتطاوين، كما يعمل البرنامج على تحسين سبل حوكمة الموارد الطبيعية في المنطقتين. حيث سيفتح المشروع الباب أمام المواطنين ومنظمات المجتمع المدني والناشطين به إلى جانب ممثلين عن اتحاد الشغل ومؤسسات الدولة الجهوية للمشاركة في مجموعة من المشاورات بهدف تقييم السياسات الحالية ومناقشة البدائل المتاحة وذلك من خلال وضع سياسة تنموية شاملة.

About MEF

يسعى المنتدى الاقتصادي المغاربي الى الدفع بجيل جديد من المثقفين نحو المشاركة في الحياة العامة والمساهمة في وضع برامج تناسب المنطقة المغاربية الجديدة المنتدى الاقتصادي المغاربي هو مؤسسة بحث غير حكومية، تأسست سنة 2011 من أجل تعزيز الوحدة المغاربية وفتح الأفاق أمام خلق فرص اقتصادية واجتماعية جديدة في المنطقة فضلا عن رعاية ومساندة جيل جديد من القادة المسؤولين في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا .

Author: Charfeddine Yacoubi

[1]

[2]

[3]

[4]

[5]

[6]

[7]

[8]

[9]

Related Posts

Sub-urban Agriculture in Greater Tunis : Strategic Spatial Planning

Since the end of the 19th century, urban growth has been accompanied by a process of transformation of agricultural areas both inside and outside cities. A process that from the second half of the twentieth century has both accelerated and diversified, it has altered, subsequently, the morphology as well as the socio-spatial and environmental organization of urban territories. (Bouraoui & Houman 2010)
Total
0
Share