قفصة – مشاورات في الحوض المنجمي

The scourge of youth unemployment poses a threat to the economic growth in the Maghreb region

مشاورات في تطاوين – نحو تحقيق تنمية مستدامة وعادلة

Dark Light

لا يرتبط وجود ثروات طبيعية في بلد ما حتما بتحقيق التنمية والرخاء واستفادة كافة المواطنين بمداخيلها بصفة عادلة. فكثيرة هي الدول التي تحوّلت فيها ثرواتها الطبيعية إلى نقمة جلبت لها الحروب وعدم الاستقرار الاجتماعي، فيما استولت فئة ضيقة على معظم المداخيل لفائدتها الشخصية. وتونس التي يمثّل فيها الفسفاط أحد أهمّ الثروات الطبيعة على امتداد أكثر من قرن وربع تحاول منذ مدة طويلة تعميم الاستفادة من هذه الثروة. فتمكّنت على مدى عقود من استغلال جزء من هذه المداخيل لبناء دولة ما بعد الاستقلال. لكن الكميات المنتجة منذ 1959 والتي بلغت أكثر من 300 مليون طن لم تستفد منها كل الجهات من خلال توزيع عادل للمداخيل. فمنطقة الحوض المنجمي التي تنتج أكثر من 75% من الفسفاط وتحديدا في أربعة مواقع وهي المظيلة والرديف وأم العرايس والمتلوي، ورغم تحولها لأحد أهم المراكز الاقتصادية لتونس في بداية القرن التاسع عشر، إلّا أن الحصيلة التنموية في هذه المنطقة بقيت دون المطلوب مقارنة بجهات أخرى، حيث واصلت دفع ثمن الأضرار البيئية والاجتماعية وتوقفت فيها تقريبا عجلة التنمية، وتنامت فيها الاضطرابات الاجتماعية ولعلّ أهمّها أحداث الحوض المنجمي في 2008 التي مهّدت لثورة 2011.

وباندلاع ثورة ديسمبر 2010-جانفي 2011 ارتفع سقف الانتظارات بالمنطقة وتحريك عجلة التنمية بها، إلا أنّها سرعان ما واجهت تحديات كبرى بعد تراجع القدرات الإنتاجية لشركة فسفاط قفصة بشكل كبير. فالإنتاج الذي بلغ ذروته سنة 2010 ليصل إلى 8،2 مليون طن تراجع بشدة إلى 2،8 مليون طن سنة 2018 بنسبة تقدّر بـ 66 % ليستقر في نفس مستوى إنتاج سنة 1928. وتراجعت بالتالي المداخيل المتأتية من تصدير الفسفاط منذ 2011 لتبلغ 1014 مليون دينار سنة 2018 بعد أن كانت تناهز 1728 مليون دينار في 2010. وتقهقر ترتيب تونس سنة 2019 إلى المرتبة 12 عالميا في مستوى إنتاج الفسفاط بعد أن كانت في المرتبة الخامسة في 2010.

2018 2010  
6100 4900 شركة فسفاط قفصة
1510 0 الشركة التونسية لنقل المواد المنجمية
13010 4900 شركات البيئة والغراسة
تطور عدد الأعوان في الشركات المنجمية بمنطقة قفصة

 

 

أعادت هذه المعطيات طرح العديد من الأسئلة حول طرق الاستفادة من هذه الثروة، وحول مستقبل الفسفاط في تونس وفي الحوض المنجمي خصوصا.

⦁ فهل ما يزال الفسفاط قاطرة التنمية في منطقة الحوض المنجمي؟ أم هل انتهى زمنه بما يدعو إلى طيّ صفحته نهائيا والتفكير جديا في المرور إلى أنشطة اقتصادية أخرى في المنطقة وفقا لمنوال تنموي جديد؟
⦁ هل تكفي المقاربة الاقتصادية الإنتاجية لحل إشكال الفسفاط بمعزل عن بقية الإشكاليات التنموية التي تعاني منها المنطقة منذ عقود؟
⦁ هل سيحقق رجوع الإنتاج التنمية المطلوبة في ظل تواصل نفس المقاربة التنموية؟
⦁ كيف يمكن التوفيق بين متطلبات النجاعة الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة والتخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية السلبية على أهالي منطقة الحوض المنجمي؟
⦁ هل يمكن تحقيق تنمية وتشغيل بدون إنتاج؟ وما مدى مسؤولية كل طرف في الخروج من هذه الأزمة؟
حاول برنامج مشاورات طرح كل هذه الأسئلة على كافة المشاركين من إدارة ومجتمع مدني ومواطنين في ثلاثة لقاءات بمدينة قفصة للتعرف عن قرب على مختلف الإشكاليات التنموية بالمنطقة.
⦁ اللقاء الأول عُقد مع منظمات المجتمع المدني والنشطاء والنقابات بهدف مناقشة التحديات الرئيسية بالمنطقة والاطلاع على القضايا الملحّة للمجتمع المحلي خاصة فيما يتعلق بالإشكاليات التنموية والبطالة وديناميكية الاحتجاجات.
⦁ اللقاء الثاني عُقد مع المسؤولين المحليين لعرض المخرجات الرئيسية للقاء الأول مع المجتمع المدني والتعرف على دورهم والإشكاليات التي تواجههم في إنجاز مهامهم وتشريكهم في صياغة توصيات تُدرج ضمن مخرجات مشاورات.
⦁ اللقاء الثالث وهو الجولة الأخيرة من مشاورات وجمع بين أطراف اللقاءين الأوّلين: المجتمع المدني والمسؤولين الجهويين والمحليين وذلك في إطار اجتماعات أوسع نطاقا تهدف إلى بناء حوار بينهم للتوافق حول السياسات وتقديم حلول للقضايا الرئيسية التي تم تناولها في الجولتين الماضيتين من مشاورات.

أرقام وآراء حول التنمية في منطقة الحوض المنجمي:

أجمع المشاركون من خلال مختلف اللقاءات التي تم تنظيمها على تراجع مختلف المؤشرات التنموية بولاية قفصة وعدم استفادة المنطقة من هذه الثروة الطبيعية.

مؤشرات اجتماعية في تراجع:

بلغت نسبة البطالة بقفصة 27% سنة 2017 وتجاوزت 58% بالنسبة لأصحاب الشهائد العليا في حين قدّرت هذه الـنسبة على المستوى الوطني بـ 15 %. أما نسبة الفقر فبلغت 18% سنة 2015 في ولاية قفصة مقارنة بـ 15،6% على المستوى الوطني. من جهة أخرى، فإن مختلف مؤشرات التنمية تؤكّد المنحى المحدود للتنمية بالمنطقة، فمؤشر التنمية الجهوية لسنة 2018 يشير إلى أنّ ولاية قفصة تحتلّ المرتبة 17 من جملة 24 ولاية. والملفت في هذا المؤشر أن كلّ معتمديات الولاية موجودة في المجموعتين الأقل تنمية. كما جاءت ولاية قفصة في المرتبة 14 في مؤشر جاذبية الاستثمار للجهات لسنة 2016.
أما المؤشرات المتعلقة بالخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة فتعرف أيضا نفس المسار. حيث يوجد طبيب واحد لكل 1370 ساكن في حين أن يوجد طبيب لكل 823 متساكنا على المستوى الوطني. فيما بلغت نسبة الأمية 27 % بين الإناث في ولاية قفصة سنة2017 وناهزت 32 % في أم العرائس و29 % في المظيلة. هذا ما جعل العديد من المشاركين يتحدّثون عن نظام تعليمي في تونس بسرعتين مختلفتين.
من جهة أخرى، أشار المشاركون إلى مشكلة فقدان الأدوية في المستشفى الجهوي والمستشفيات المحلية، وضعف طاقة الاستيعاب ونقص أطباء الاختصاص كالإنعاش والتخدير. فبالرّغم من الامتيازات الممنوحة للأطباء للعمل بالجهات الداخلية فإن الجهة تبقى غير قادرة على تقديم خدمات صحية مهمة كالأشعة والتحاليل الطبية. وأكّد المشاركون في نفس السياق على انتشار الفساد في هذا المجال مثل تحويل المرضى من المستشفيات العمومية إلى المصحات الخاصة. أما في مستوى النقل والبنية التحتية فقد بيّن المشاركون معاناتهم اليومية مع النقل العمومي وتأخر ربط ولاية قفصة بالطريق السيارة رغم التأثير الإيجابي الهام لمثل هذا المشروع على الاستثمار في المنطقة.

تنوع اقتصادي محدود في ظل التخوف من الاستثمار في ولاية قفصة:

رغم الامتيازات المالية والجبائية التي أقرتها الدولة لفائدة المستثمرين في الجهة، فإن الاستثمارات بها بقيت محدودة مقارنة بالمناطق الساحلية. حيث بلغ عدد الشركات المصدرة كليا حسب أرقام وزارة الصناعة 30 شركة لا تشغّل إلّا 4487 شخصا. كما أنّ أغلب الاستثمارات موجهة لقطاع النسيج في إطار المناولة لفائدة شركات كبرى في الساحل حسب ما أكّده المشاركون في “مشاورات”. وقد فسروا هذا التراجع بارتفاع مخاطر الاستثمار في جهة قفصة وهو ما يجعلها منطقة منفرة للاستثمار نظرا لما يلي:

⦁ كثرة الاحتجاجات والاعتصامات وغلق الطرقات،
⦁ البعد عن الموانئ وضعف البنية التحتية للطرقات.
⦁ غياب نسيج اقتصادي متكامل في المنطقة فمثلا قطاع النسيج في المنطقة يفتقد العديد من الاختصاصات الأخرى المترابطة بهذا القطاع وخاصة منها المتعلقة بالصيانة.
⦁ ضعف روح المبادرة لدى شباب المنطقة بالإضافة إلى التعطيلات الإدارية وتشعب الإجراءات خاصة في مستوى الحصول على التمويلات.
⦁ المشاكل العقارية نظرا لكثرة الأراضي المجمّدة.
وأدّى هذا الوضع إلى ضعف التنوع الاقتصادي في المنطقة، فالاعتماد على التشغيل في شركة فسفاط قفصة وشركات البيئة، حتى وإن كانت الأجور بها أقل تبقى حلم كل الشباب هناك نظرا لـ:
⦁ ضمان أجر في شركة البيئة دون إنجاز عمل فعلي في أغلب الحالات،
⦁ الحصول على التغطية الاجتماعية،
⦁ إمكانية الحصول على قروض بنكية نظرا لتوفر ضمان الأجر.
ومن المفارقات التي ذكرها المشاركون أن العديد من الشبّان يرفضون فرص عمل في مجالات أخرى كقطاعات النسيج والفلاحة والبناء أو يفضلون الأعمال الهشة في القطاعات الموازية حتى لا يتم إقصاؤهم من الانتداب لاحقا في شركات البيئة والغراسة وشركة فسفاط قفصة لأن من الشروط الأساسية للانتداب فيها ألاّ يكون المترشح قد اشتغل سابقا وألاّ يكون مسجلا في أحد صناديق الضمان الاجتماعي.

شركة فسفاط قفصة ودورها في المنطقة:

يرتكز الاقتصاد في منطقة الحوض المنجمي على الفسفاط سواء من ناحية الإنتاج أو من ناحية التشغيل المباشر وغير المباشر. حيث تشغّل شركة فسفاط قفصة والشركة التونسية لنقل المواد المنجمية المحدثة سنة 2014 ومختلف شركات البيئة والغراسة أكثر من 13 ألف عون سنة 2018، بارتفاع قدّر بـ 265% مقارنة بسنة 2010. فيما بلغت أعباء تأجير هؤلاء الأعوان 355 مليون دينار سنة 2018 بنسبة ارتفاع ناهزت 248% مقارنة بسنة 2010.

 

ولم تكتف الشركة بالدور الإنتاجي والتشغيلي بل إنها وسّعت مجالات تدخلها في إطار مسؤوليتها الاجتماعية إلى المجال الاجتماعي والرياضي والبيئي والطبي وغيره من المجالات. فالشركة تساهم في الدعم المالي للفرق الرياضية والأنشطة الثقافية والمستشفيات والبلديات.
وتطرح هذه الوضعية إشكالا هيكليا مهمّا حول دور الدولة في هذه المنطقة مقارنة بدور شركة فسفاط قفصة التي تحولّت حسب الشهادات المقدمة إلى بديل للدولة وهو ما جعلها محل ضغط اجتماعي ومطلبي. وأصبح موضوع التنمية والتدخلات الاجتماعية يأخذ حيزا مهما من برامجها وهو ما أثّر على نجاعتها الاقتصادية بشكل هام. أما البرامج الحكومية التنموية فقد بقيت محدودة الفاعلية رغم محاولة تكريسها لمبادئ التمييز الإيجابي. فقد اعتبرها عديد المشاركين “ذرّ رماد على العيون” وقدموا مثالا عن ذلك الخط الجوي الرابط بين قفصة وتونس الذي لم يحقق الفائدة من إحداثه.
من جهة أخرى، طرحت العديد من التساؤلات حول حوكمة شركة فسفاط قفصة. فهذه الشركة التي تمتلك الدولة غالبية رأسمالها إلا أنّها تعتبر من أضعف الشركات الناشطة في مجال الصناعات الاستخراجية حوكمة على مستوى العالم بترتيب 55 من بين 74 شركة ناشطة في مجال الصناعات الاستخراجية تم تقييمها في مؤشر حوكمة الموارد الطبيعية لسنة 2017، وبمجموع نقاط يساوي 35 على 100 نقطة. وأشار المشاركون أيضا إلى وجود شبهات تتعلق بالفساد في مستوى انتدابات هذه الشركة وصفقاتها العمومية.

“فسّر العديد تراجع الإنتاج بتعدّد الاحتجاجات الاجتماعية لكن عديد الأسباب الأخرى لم توضع تحت المجهر بالقدر الكافي كتقادم آليات الإنتاج وإشكاليات نقل الفسفاط وتكلفة النقل البري وأيضا الفساد.”

فبمعدّل إنتاج سنوي بـ 8،2 مليون طن كان يمكن للشركة أن تحقق إنتاجا يقدر بـ 73 مليون طن خلال التسع سنوات الأخيرة، لكنّها لم تنتج منها إلّا 29 مليون طن أي بنقص في الإنتاج يقدّر بـ 44 مليون طن، في المقابل نما إنتاج المغرب من الفسفاط من حوالي 13 مليون طن في 2010 إلى حوالي 33 مليون طن في 2019. وحسب تصريح لوزير الطاقة والمناجم في 2016، لا يمكن تحقيق التوازن المالي للشركة إلا بإنتاج 5 مليون طن سنويا فيما أشار وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة في 2018 إلى أن شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي، سجلا خسارة بحوالي 250 مليون دينار، بينما كانت هاتان الشركتان تحققان مرابيح بالعملة الصعبة للدولة تقدر بـ 1000 مليون دينار. وبلغت خسائر الشركة سنة 2017 أكثر من 128 مليون دينار، فيما تواترت التصريحات الرسمية حول عجزها على توفير أجور أعوانها وخسارتها للعديد من حرفائها المهمين.
ويعود تعطّل الإنتاج إلى كثرة الإضرابات والاعتصامات ببعض المنشآت الهامة حيث بلغت مدة التوقف الكلي بمراكز الإنتاج خلال سنة 2018، 85 يوما. بالإضافة إلى إشكاليات نقل الفسفاط وتعطل الخط 15 للسكك الحديدية نتيجة الفيضانات التي شهدها الحوض المنجمي، وتأخر استثمارات الشركة الوطنية للسكك الحديدية مما نتج عنه تعطل في نشاط المجمع الكيميائي التونسي إلى حدود 39 % من الطاقة الإنتاجية هذا إلى جانب تقادم وسائل الإنتاج وعدم الاستثمار في تجديدها.

كما يرى العديد من المشاركين في مشاورات أن شركة فسفاط قفصة والدولة بصفة عامة تتعامل مع الجهة على أساس أنها مثلث مغلق وهو الإنتاج والنقل والتصدير فيما تم تغييب العنصر البشري أو تم اعتباره إما مجرد أداة لاستخراج الفسفاط أو سببا في تعطيل الإنتاج وليس محورا للسياسات التنموية.

 

لامركزية صورية:

من خلال المشاورات التي تم إجراؤها مع العديد من المسؤولين الجهويين أشاروا إلى أن عددا مهما من القرارات الإدارية التي تخص الجهة يتم اتخاذها على المستوى المركزي، فيما يقتصر دور السلط الجهوية في العديد من القطاعات على مجرد “مكتب ضبط” حسب تعبير أحد المشاركين، في حين أن القرار الأساسي يتخذ في مستوى مركزي. فعلى سبيل المثال فإن القرار النهائي في إسناد الحوافز المالية والضريبية للاستثمار في القطاع الفلاحي والصناعي يتم اتخاذه على مستوى مركزي وهو ما جعل المشاركين يتحدثون عن لامركزية صورية.

التأثيرات البيئية لإنتاج الفسفاط :

يمثل التلوث البيئي الناتج عن إنتاج الفسفاط أحد أخطر الأثار السلبية على المنطقة وذلك من خلال:

⦁ التلوث الهوائي: فجل مركّبات الإنتاج توجد داخل المناطق العمرانية حيث تكونت التجمعات السكانية تاريخيا في محيط وحول مناطق الاستخراج وتوسعت تدريجيا. وهو ما أدى حسب العديد من المتدخلين في لقاء “مشاورات” إلى انتشار أمراض مرتبطة بهذا النوع من التلوث، وهو ما يتطلّب مزيد البحث والدراسة لتحديد آثار التلوث الهوائي للفسفاط على صحة المتساكنين والعلاقة السببية بينهما.
⦁ التلوث المائي: من خلال استنزاف الثروات المائية لغسل الفسفاط ممّا أدى إلى جفاف العديد من الأودية (وادي الباي، الأحواض الرومانية…) وصرف المياه المستعملة في المغاسل في الأودية.
⦁ التلوث الترابي: من خلال انخفاض جودة التربة التي تلوثت ببقايا الفسفاط، هذا ورغم أهمية الإنتاج الفلاحي في ولاية قفصة (واحات، زراعات سقوية…) فإن إنتاج الفسفاط ساهم في تدمير ثلاثة أنظمة بيئية أساسية في المنطقة وهي:
⦁ النظام البيئي الواحي oasien écosystème.
⦁ النظام البيئي للمراعي écosystème pastoral.
⦁ النظام البيئي الجبلي écosystème montagnard.

فالتلوث في مستوياته الثلاثة، المائي والترابي والهوائي أثّر سلبا على الإنتاج الفلاحي في المنطقة. كما تعاني منطقة الحوض المنجمي من مشاكل كبيرة في مستوى التزود بالماء الصالح للشراب الذي تزداد حدّته في الصيف. وهو ما أدّى إلى ظهور نوعية جديدة من التحركات الاجتماعية مرتبطة بالاحتجاج على انقطاع الماء الصالح للشراب. ويعود هذا الأمر في جزء منه إلى الاستغلال المبالغ فيه للمياه من طرف شركة فسفاط قفصة التي تتعلل بأنها تستغل مياه عالية الملوحة لكنها في النهاية تبقى ثروة مائية هامة.

تحركات اجتماعية بأسباب مختلفة:

تُمثّل التحركات الاجتماعية المرتبطة بالفسفاط أحد أهم التعبيرات عن حجم الأزمة في تلك المنطقة وتأكيدا لغياب التنمية وارتفاع حجم البطالة وسوء الخدمات العمومية. لكن يبقى المطلب الأساسي للعديد من هذه الاحتجاجات التشغيل وخاصة في شركة فسفاط قفصة أو في شركات البيئة والغراسة. وبلغ عدد التحركات الاجتماعية بولاية قفصة حسب التقرير السنوي لسنة 2019 الصادر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 719 تحركا اجتماعيا. وتحتل قفصة بالتالي المرتبة الثالثة في عدد التحركات على المستوى الوطني بعد القيروان وسيدي بوزيد.
تمثلت هذه الاحتجاجات في الغالب في غلق الطرقات والسكك الحديدية أمام نقل الفسفاط لمنع عبورها إلى مصانع المجمع الكيميائي بكلّ من قفصة وصفاقس وقابس بالإضافة إلى تحرّكات أخرى هدفها الأساسي تعطيل الإنتاج في المنطقة كوسيلة ناجعة لتبليغ صوت المحتجّين. لكن ارتبطت العديد من الاحتجاجات أيضا بمطالب بيئية وصحية نظرا للتلوث الكبير الذي تعرفه المنطقة بسبب الاستهلاك المفرط للمياه في مغاسل الفسفاط مما أثّر على صحة الأهالي في منطقة الحوض المنجمي وأدّى إلى تراجع الإنتاج الفلاحي والانقطاع المتواصل لمياه الشرب.
هذا بالإضافة إلى تسجيل أيام توقف كلي عن العمل في شركة فسفاط قفصة وصلت أحيانا إلى 244 يوما في السنة في بعض مواقع الإنتاج الخمسة منذ سنة 2011. وأخذت العديد من الاحتجاجات طابعا قبليا عشائريا تتوزع حسب المناطق، مما جعل بعض المشاركين يتحدث عن الجغرافيا العشائرية للاعتصامات. لكن هذه النقطة تحتاج إلى مزيد الدرس والتعمق لفهم الدوافع العشائرية والقبلية لهذه الاحتجاجات.

ملخص لأهم الإشكاليات في الحوض المنجمي:

الإشكاليات البيئية الإشكاليات الاجتماعية الإشكاليات الاقتصادية
التلوث المائي
انقطاع المياه
الاستغلال المفرط للمياه
التلوث الهوائي تلوث التربة
الفقر
الأمية
ضعف الخدمات الاجتماعية
التعليم والصحة
تراجع خدمات النقل العمومي
البطالة
غياب الاستثمار
ضعف التنوع الاقتصادي
حوكمة شركة فسفاط قفصة وشركات البيئة والغراسة
ضعف البنية التحتية.
الفساد
ملخص لأهم الإشكاليات في الحوض المنجمي

الفسفاط لم يكن قاطرة للتنمية في المنطقة بل كان نقمة في العديد من المستويات: التلوث/ البطالة/تراجع الخدمات العمومية/ المبادرة الاقتصادية/الاستثمار

حلول لم تحقق التنمية:

أمام هذا الوضع لجأت تونس إلى اعتماد مجموعة من الحلول تراوحت بين الحلول الأمنية مثل تلك التي شهدتها المنطقة في 2008 أو الإعلان في 2016 على اعتبار مناطق إنتاج الثروات الطبيعية مناطق عسكرية مغلقة. إلّا أنّه لم يتم تطبيق هذا القرار في مستوى الحوض المنجمي تخوّفا من إعادة سيناريو 2008 وانفجار الاحتجاجات التي لا يمكن التحكّم فيها، والتي ستكون تكلفتها باهظة وستزيد الوضع احتقانا. هذا بالإضافة إلى تقديم حلول اقتصادية واجتماعية لم تحقّق المرجو منها في ظل تواصل الاحتجاجات بأشكالها المختلفة.

الانتداب في شركات البيئة والغراسة:

أُحدثت شركات البيئة والغراسة في سنة 2009 على إثر أحداث الحوض المنجمي كاستجابة من النظام حينها لتشغيل الشباب في المنطقة والحد من الاحتجاجات. حيث لم يكن هناك تصور واضح لدورها في التنمية، وجاء هذا القرار كردة فعل على الضغوطات الاجتماعية والاحتجاجات. فهذه الشركات لا تُمارس دورا اقتصاديا تنمويا بل اقتصر تدخّلها على الدور الاجتماعي من خلال تشغيل الآلاف من المواطنين العاطلين عن العمل. ويتحمل المجمع الكيميائي التونسي وشركة فسفاط قفصة أعباء تأجير أعوان شركات البيئة والغراسة التي عرفت تطورا ملحوظا بحوالي 525 %، حيث مرّت من 21,5 مليون دينار سنة 2011 إلى 134 مليون دينار سنة 2017.
وفي ظل غياب معلومات حول حوكمة هذه الشركات ومجال تدخلها وطرق تسييرها، تحدّث العديد من المشاركين في “مشاورات” على أن عديد الانتدابات في هذه الشركات تشوبها تجاوزات. حيث تعتمد مقاييس تقوم على الانتماء العروشي أو النقابي أو حتى الحزبي والسياسي، وليس على أساس الكفاءة والجدارة. كما أن عددا كبيرا من الأعوان بهذه الشركات يتحصلون على أجر منها ولا يعملون فعليا بها لأن لهم موارد رزق أخرى. كما أشاروا إلى الأثر السلبي لهذه الشركات على التنوع الاقتصادي نتيجة الاعتماد شبه الكلي على التشغيل بها مما ساهم في خلق ثقافة التواكّل وتراجع روح المبادرة.

برنامج المسؤولية المجتمعية:

خصصت شركة فسفاط قفصة تقريبا 60 مليون دينار بين سنوات 2014 و2016 لتمويل برنامج المسؤولية المجتمعية. تم خلالها صرف الجزء الأول من المبلغ أي 20 مليون دينار في عدّة مجالات كالفلاحة، والصحة، والبلديات، والتعليم والشباب والرياضة. وذلك بالتنسيق مع السلط المحلية بالجهة. لكن لم يحقق هذا البرنامج الأهداف المطلوبة رغم أهمية المبلغ المرصود.
فالعديد من التساؤلات طرحها المشاركون حول:

⦁ نوعية المشاريع الممولة في إطار برنامج المسؤولية المجتمعية. (مشاريع اجتماعية، تمويل فرق رياضية، أنشطة ثقافية، تمويل مشاريع لفائدة الشباب، اقتناء معدات لفائدة البلديات ولفائدة شركات البيئة والغراسة…)
⦁ محدودية تأثير برنامج المسؤولية المجتمعية على التنمية في المنطقة.
⦁ ضعف متابعة وتقييم برنامج المسؤولية المجتمعية.
⦁ محدودية حوكمة البرنامج وغياب الشفافية في مستوى التصرف المالي واختيار المنتفعين ونوعية المشاريع الممولة.

منوال تنموي جديد:

منذ اندلاع الثورة وخاصة بعد المصادقة على دستور 2014، أصبح إرساء منوال تنموي جديد هدفا لكل المخططات الاقتصادية للدولة، وهي تقوم أساسا على التمييز الإيجابي بين الجهات. فقد أكّد الفصل 12 من دستور 2014 ” تسعى الدّولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة والتنمية المستدامة والتوازن بين الجهات استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي”. ويهدف التمييز الإيجابي إلى استدراك الإختلالات القديمة وإعادة التوازن التنموي بين الجهات بعد عقود من تفضيل المركز على الجهات الداخلية أو المدن الساحلية الكبرى على المناطق الداخلية. ويقوم المنوال التنموي الجديد على المبادئ الأساسية التالية:

⦁ تكريس مبادئ الحوكمة،
⦁ دعم المشاركة،
⦁ الاقتصاد الأخضر،
⦁ تأسيس اللامركزية نحو أكثر استقلالية للجهات على مستوى القرار،
⦁ اتخاذ إجراءات تحفيزية اقتصادية وغيرها لفائدة المناطق الداخلية.
وتجسّد هذا السعي نحو تغيير المنوال التنموي باتخاذ الدولة للعديد من الإجراءات مثل الحوافز الجبائية والمالية لفائدة المستثمرين في المناطق الداخلية أو تشجيع الأطباء على الانتصاب فيها أو تخصيص أماكن لفائدة الناجحين في الباكالوريا من المناطق ذات الأولوية في الثلاثين مؤسسة جامعية الأفضل وغيرها من الإجراءات.

لكنّ هذا التوجه لم يحقق نتيجة إيجابية على أرض الواقع لحدّ الآن وهو ما جعله يكون توجّها سياسيا يفتقد بعدا استراتيجيا متكاملا. فتركيز مثل هذا المنوال يتطلّب مدة طويلة ومؤسسات قوية وتأطيرا شاملا بمقاربة من الأسفل إلى الأعلى تقوم على مشاركة المواطنين، ومجتمع مدني نشيط وقطاع خاص مبادر.

شروط نجاح المنوال التنموي الجديد:

 

فالمخطط التنموي الجديد الذي اعتمد مقاربة أكثر تشاركية في إنجازه وبدا أكثر انفتاحا على مختلف الفاعلين بقي مسارا متعثرا لم تتوفر له أرضية متكاملة للنجاح، في غياب بناء القدرات وتوفير الموارد البشرية. وساهم ذلك في تواصل الاختلالات الهيكلية في هذه المناطق وتواصل غياب رؤية متكاملة للتغيير. وهو ما جعل أحد المشاركين في مشاورات يصفه “بالتمرين الشعبوي” أكثر منه مشاركة حقيقة وذلك للأسباب التالية:

⦁ أغلب المقترحات بعيدة عن الواقعية ولم تأخذ بعين الاعتبار إمكانيات الدولة لتحقيق مطالب المجالس المحلية للتنمية.

⦁ عملية التحكيم لاختيار المشاريع ذات الأولوية تمت على المستوى المركزي.

⦁ خضوع المؤسسات الحكومية الجهوية والمحلية إلى ضغط كبير من طرف المواطنين في غياب تأطير جيد للمبادرة.

⦁ تأخير كبير في إنجاز العديد من المشاريع باستثناء بعض المشاريع في قطاعي الفلاحة والتجهيز وذلك في ظل المشاكل العقارية ومشاكل التمويل.

 

 

مقترحات مشاورات:

 

” مشاكل الحوض المنجمي تتجاوز وزارة الطاقة والمناجم أو الصناعة التي لن تقدم إلا حلولا تقنية متعلقة بالإنتاج. مشكل الحوض المنجمي أصبح مشكل دولة، مشكل ثقافة ومشكل غياب ثقة متبادل. فلا أحد يرغب في مصارحة الطرف الآخر، ولا أحد يريد تحمّل مسؤولية الإصلاح.”

رأي لأحد المشاركين

 

مقاربة تنموية شاملة:

لا يمكن معالجة إشكال إنتاج الفسفاط دون مقاربة تنموية شاملة تشمل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وفكرة التمييز الإيجابي التي كرسها دستور 2014 تبقى فكرة جيدة، لكن يجب متابعة آثارها حتى لا تتحول إلى آلية للمساعدة الاجتماعية بدل أن تكون آلية للتنمية.

 وتقوم هذه المقاربة على:

 أولا: استرجاع الدولة لدورها الاجتماعي والتنموي كاملا في المنطقة:

وتحمّل مسؤولياتها مباشرة في التقليص من الآثار السلبية لإنتاج الفسفاط كالتأثيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك بدل إلقاء هذا الحمل على شركة فسفاط قفصة وهو ما أثّر بشكل كبير على دورها الإنتاجي والاقتصادي.

فسعي الدولة إلى إخراج المنطقة من حالة المرض الهولندي يكون بمزيد دفع جاذبية الاستثمار في المنطقة واستغلال مزاياها التفاضلية، والسعي إلى تنويع الاقتصاد بإنهاء وضعية الاعتماد شبه الكلي على الفسفاط من خلال تطوير الإنتاج الفلاحي، والصناعي والخدماتي. بالإضافة إلى تطوير الصناعات المرتبطة بالفسفاط وتشجيع استغلال الشركة للمحتوى المحلي من خلال مزيد تشجيع التعامل مع مزودين محليين بما يساهم في خلق نسيج اقتصادي متكامل، وكذلك التشجيع على ترابط الاختصاصات التعليمية مع النسيج الاقتصادي في المنطقة وتحسين مهارات الإدارة والقوى العاملة في الجهة، وبذل مجهود أكبر لحث المؤسسات الكبرى على الاستثمار في الحوض المنجمي حتى تكون قاطرة لجلب شركات أخرى، وهو ما يمكّن من تحويل قطاع استخراج الفسفاط إلى قاطرة تنموية شاملة.

كما على الدولة تطوير الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم ونقل عمومي، والعمل على مزيد تطوير البنية التحتية من طرقات سريعة وسكك حديدية والربط بالماء الصالح للشراب والكهرباء والغاز والاتصالات وإعادة النظر في التنظيم العمراني خصوصا في المدن التي توجد بها مركّبات لإنتاج الفسفاط. هذا بالإضافة إلى انتهاج سياسة بيئية واجتماعية متوازنة، مع تفعيل لامركزية حقيقية تبنى تدريجيا وتقوم على تشريك فعلي للمواطنين.

ثانيا: التفكير في آليات عملّية لإعادة توزيع جزء من مداخيل الثروات الطبيعية:

يمكن أن تستثمر في التنمية في المنطقة طبقا لما جاء في الفصل 136 من الدستور الذي ينص على ” يُمكن تخصيص نسبة من المداخيل المتأتية من استغلال الثروات الطبيعية للنهوض بالتنمية الجهوية على المستوى الوطني.” على أن تأخذ عملية التوزيع بعين الاعتبار مجموعة من المعايير التي تضمن التحكم في الآثار السلبية ومتابعة مختلف التدخلات لتحقيق الأثر المطلوب حتى لا يتحول توزيع المداخيل إلى مجرد تدخل اجتماعي جديد، وهو ما يستدعي:

توضيح الأهداف من توزيع الإيرادات وهو بالأساس الحد من الفقر أو خلق مواطن شغل مستدامة ومنتجة.

السعي إلى إيجاد ترابط بين الأهداف المرجوة من عملية التوزيع وطريقة توزيع الإيرادات وهو ما يفترض مثلا إدراج مؤشرات متعدّدة ضمن معادلة التوزيع كنسبة الفقر ومؤشّر التفاوت الاجتماعي.

التوافق الوطني حول طريقة احتساب المعادلة لضمان تطبيقها فعليا، وتحقيق الأهداف المرجوة من عملية تحويل الإيرادات.

ضمان شفافية عملية تحويل الإيرادات وتفعيل رقابة مستقلة عليها سواء من المجتمع المدني أو البرلمان.

ثالثا تحمل شركة فسفاط قفصة لمسؤوليتها الاجتماعية:

لا يعني تحمّل الدولة لمسؤولياتها في المنطقة وتخفيف الضغط على شركة فسفاط قفصة تخلي هذه الأخيرة عن مسؤوليتها الاجتماعية التي يجب أن تواصل تدخلاتها وتحسين حوكمتها لهذا البرنامج مع التفكير في إطار أوسع للاستغلال يقوم على التنمية المستدامة وضمان حقوق الأجيال القادمة في بيئة نظيفة ورخاء اقتصادي والاستفادة من الثروات. وحتى لا يقتصر تعامل الشركة مع المنطقة على الاستغلال والإنتاج فقط عليها المساهمة في إطار برنامج للمسؤولية المجتمعية لا غير بناء قدرات المجتمع المحلي ونقل المهارات وتمويل المشاريع بما يساهم في تعزيز سمعة الشركة والتقليل من مخاطر تعطيل الإنتاج أو إتلاف المعدات، مع استهداف الفئات الأكثر هشاشة وانتهاج سياسة واضحة للتحكم في المخاطر البيئية في المنطقة من خلال:

التحكم بشكل صحيح في المخاطر المرتبطة باستخراج وإنتاج ونقل وتخزين الفسفاط الذي يحتوي على مركبات خطرة من خلال قياس ومراقبة وتقييم مختلف أشكال التلوث وآثاره وتحديد أهداف ومؤشرات واضحة للحد من التلوث.

استغلال التطور التقني للحد من التلوث الهوائي وإنهاء صرف مياه المغاسل في الطبيعة.

إيجاد بدائل حقيقية لشُح ّالمياه والاستغلال المفرط للموارد المائية في مجال الفسفاط.

 

نحو استرجاع نسق الإنتاج وتطوير حوكمة الشركة:

أولا استرجاع شركة فسفاط قفصة لطاقتها الإنتاجية وتوازناتها المالية الاقتصادية لا يجب أن يغيب عن الأذهان أنه بدون استرجاع شركة فسفاط قفصة لطاقتها الإنتاجية وتوازناتها المالية والاقتصادية لا يمكن الحديث عن تنمية وتشغيل بالشركة وملحقاتها ولا عن برنامج للمسؤولية المجتمعية. ويستوجب ذلك عدم إثقال كاهل الشركة بتكاليف إضافية أكثر حيث يجب ان تركّز على الدور الاقتصادي والإنتاجي للحد من الضغوطات الاجتماعية التي تواجهها الشركة وعدم تركها في الواجهة مع المحتجين والاقتصار على تدخلات في إطار برنامج للمسؤولية الاجتماعية واضح المعالم.

 ثانيا إعادة النظر في حوكمة شركة فسفاط قفصة: وذلك حتى تسترجع الشركة مكانتها الاقتصادية وترفع من مداخيلها. فالحديث عن توزيع المداخيل يبقى بلا معنى إذا لم تتمكن الشركة من استرجاع نسق الإنتاج وتحقيق الأرباح واقتسام العائدات ودفع التنمية بالجهة. ولا يمكن تحقيق الأرباح إلا بعودة الإنتاج وتعصير أدوات العمل وتحسين الحوكمة الداخلية في جميع المستويات الإدارية والعملياتية. فبرامج الانتداب بالشركة مثلا يجب أن تكون حسب الحاجيات الحقيقية للشركة وفقا لمخططات توظيف شفافة تضمن المساواة أمام الانتداب.

هذا ويشمل تطوير حوكمة الشركة:

التحكّم في كلفة الإنتاج وفقا لمقاربة اقتصادية تقوم على الجدوى.

تمويل برنامج المسؤولية المجتمعية يجب أن يكون على أساس نسبة من أرباح الشركة مع العمل على متابعة تنفيذ هذا البرنامج حتى يحقق الأهداف المرسومة من تنمية ومحافظة على البيئة والتشغيل.

تطوير شركات البيئة والبستنة حتى تكون قادرة على تمويل ميزانيتها من أنشطتها الذاتية وتحقّق توازنها المالي، ولا يكون ذلك إلا من خلال إعادة هيكلتها وضمان استقلالها الإداري والمالي وتشريكها في أنشطة مربحة تخلق الثروة والقيمة المضافة في المنطقة. الانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية التي تضمن شفافية أكثر ورقابة أفضل على المداخيل.

 

عقد اجتماعي جديد مبني على المشاركة والشفافية والتمكين:

أولا تفعيل مشاركة المواطنين: تمثّل مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار على المستوى الجهوي والمحلي أوّل الطريق لبناء الثقة المفقودة مع الدولة. ويكون ذلك بإحداث أطر مشتركة بين الدولة والمجتمع المدني والمواطنين، تتسم أعمالها بالشفافية (المجلس الجهوي، المجالس البلدية…)، ويساهم المواطنون فيها بالتعبير عن مشاغلهم وتقديم مقترحات تأخذ بجدية. كما يجب أن تضمن هذه الأطر مشاركة مختلف الفاعلين وخاصة الفئات الأكثر هشاشة (المرأة والشباب) وكذلك الفئات الأكثر تضررا من الآثار السلبية لاستخراج الفسفاط. وأن تناقش هذه الاجتماعات الإشكاليات الحقيقية للمنطقة من بطالة وتلوث وآثار اقتصادية واجتماعية. فالعديد من الدول المنتجة للثروات المنجمية تلتجأ عند إعداد دراسات التأثيرات البيئية مثلا إلى تشريك المواطنين في إعدادها ومناقشتها وتقييمها لاحقا بما يمكّن من تفعيل رقابة حقيقية على مدى احترام الالتزامات البيئية للشركات الاستخراجية.

وتعني المشاركة التوقف عن التعامل مع المتساكنين كمجرد ضحايا أو كحالات اجتماعية أو محتجين يتم التعامل معهم أمنيا، بل يجب التعامل معهم كشركاء في اتخاذ القرار، حتى يكونوا على وعي:

بمحدودية الموارد الطبيعية وضرورة الخروج من دائرة الاعتماد على الفسفاط.

بتغيير طرق احتجاجهم بدل اللجوء إلى الاحتجاجات المعطلة للإنتاج.

ويمثل تكريس آليات اللامركزية خطوة أساسية تساهم في الاقتراب من مشاغل المواطنين لتعزيز مستوى اتخاذ القرار على المستوى الجهوي والمحلي على أن يتم بناء القدرات البشرية وتوفير الامكانيات المادية لتأطير عملية المشاركة.

ثانيا توفير المعلومة الحقيقية والصادقة حول الوضع في المنطقة: فبدون معلومة لا يمكن بناء ثقة دائمة، حيث غالبا ما يكون منطلق الاحتجاجات اتهامات بغياب الشفافية عند الإعلان عن نتائج المناظرات بشركة فسفط قفصة أو بشركات البيئة. وحتى لا تبقى شركة فسفاط قفصة من أكثر الشركات تعتيما وغموضا حول مشاريعها فإنها مطالبة بأن تنشر معلومات حول إنتاجها ومداخيلها ومشاريعها وانتداباتها وصفقاتها ودراسات التأثيرات البيئية والاجتماعية. فالشفافية تخلق الثقة، ومن خلال بناء هذه الثقة يخف التوتر ولا يتعطّل الإنتاج.

ثالثا تمكين سكان منطقة الحوض المنجمي من مختلف الأدوات والمعارف التي تساعدهم على الأخذ بزمام الأمور حتى يكونوا قاطرة للتنمية في جهاتهم وحاملين لمشاريع حقيقية تحقق التنوع الاقتصادي وتضمن مبادرة أكبر وتقطع مع عقلية الاعتماد على الفسفاط. ويأخذ التمكين أبعادا متنوعة تنطلق بالتكوين وبناء قدرات المواطنين بالحوض المنجمي وخاصة الشباب في مجالات تحقّق لهم لاحقا استقلاليتهم الاقتصادية. وهو ما يتطلب بنية تحتية للتربية والتكوين المهني والتعليم العالي أكثر ترابطا باقتصاد المنطقة. ويكون التمكين أيضا من خلال توفير فرص جديدة للاستثمار لفائدة الشباب وفتح آفاق لهم ومرافقتهم في إنجاح مشاريعهم، بما يساعد المنطقة على الخروج من منطق الاحتجاج إلى منطق المشاركة وتقاسم الأعباء وعدم الاعتماد على الحلول الوهمية.

 

المجتمع المدنيشركة فسفاط قفصةالدولة
المساهمة في تحقيق التنمية العادلة
بناء قدرات المتساكنين
تمكين المتساكنين من أدوات المشاركة الفعلية
المراقبة والمساءلة واليقظة المناصرة
التوعية بمخاطرتعطيل الأنتاج وتقديم طرقاحتجاجية جديدة وفاعلة
التخفيف من مخاطر استغلال الفسفاط
المساهمة في تنمية المنطقة
الاستجابة لمشاغل المتساكنين
التخفيف من الاثار السلبية البيئية والاجتماعية
تشجيع التعامل مع الشركات المحلية دعما للمحتوى المحلي
الشفافية وتقديم معطيات حقيقية وصادقة
تحقيق التنمية الاقتصادية في المنطقة
تحقيق التنوع الاقتصادي
الاستجابة لمتطلبات المجتمعات المحلية.
المصارحة بالوضع الحقيقي
بناء الثقة والشفافية
التحكم في الفقر
التحكم في الفساد
بيئة نظيفة.
بنية تحتية جيدة
خدمات عمومية جيدة
تشجيع الاستثمار وتنويعه

Related Posts

سيدي بوزيد: التفكير في نقابة للعاملات في مجال الفلاحة

من أبرز الحلول المقترحة خلال ملتقى تم تنظيمه بسيدي بوزيد للنظر في الحلول الكفيلة بالنهوض بوضعية المرأة العاملة في مجال الفلاحة، هو تفعيل الاتفاقية الاطارية والعمل على ايجاد وسائل نقل عمومي…
Total
0
Share